بحثاً عن مخرجٍ من الأزمة: لنعمل معاً
الدكتورة سونيا بن جعفر، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة عبد الله الغرير للتعليم، تعلق على آليات الانتقال للتعليم عبر الإنترنت في دولة الإمارات العربية المتحدة لمواجهة تحدي وباء فيروس كورونا.
د. جليندا س. ستامب، عالمة أبحاث تعليمية، التعليم المفتوح، معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا؛ براندون موراماتسو، المدير المساعد للمشاريع الخاصة، التعليم المفتوح، معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا؛ سمر فرح، مديرة البحث والابتكار، مؤسسة عبد الله الغرير للتعليم؛ د. إم إس فيجاي كومار، العميد المشارك بالتعليم المفتوح والمدير التنفيذي، مختبر جميل للتعليم العالمي، معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
يسرّ مؤسسة عبد الله الغرير للتعليم ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن يقدما لكم دراسة بعنوان: «سبيل المضي قدمًا: تعاون بين أصحاب مصلحة متعددين لتعزيز التعلم المدمج في العالم العربي»، والتي تشرح النتائج التي انبثقت عن مشروع مشترك امتد بين عامَي 2017 و2019 من أجل تعزيز التعلم المدمج في العالم العربي (وهو عبارة عن مقاربة تدمج ما بين المحتوى المقدم عبر الانترنت ونماذج التعلم وبين التعليم التقليدي على مقاعد الدراسة).
وفيما تتصدّى مؤسسات التعليم العالي وصانعو السياسات للتحديات التي يفرضها التعليم عن بعد في حالات الطوارئ جراء جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، تزوّد هذه الدراسة الجامعات وصانعي السياسات باستنتاجات مهمة، في وقت يبحثون به في كيفية الانتقال بطريقة فعالة إلى تقديم برامج ومساقات معتمدة عبر الانترنت أكثر استدامة وذات جودة عالية.
حيث تعاونت مؤسسة عبد الله الغرير للتعليم ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مع الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة الأمريكية بالقاهرة بين عامَي 2017 و2019 من أجل تعزيز الوعي بالفرص المرتبطة بالتعلم عبر الانترنت، إلى جانب بناء القدرات للهيئة التدريسية ومصمّمي المناهج التعليمية بهدف (إعادة) تصميم بعض المساقات الأساسية في المرحلة الجامعية الأولى. وشارك ستة من أعضاء الهيئة التدريسية من الجامعتين في هذا المشروع، والذين تمكنوا بدعم من الإداريين ومن مصمّمي المناهج التعليمية، من تطوير أربع مساقات مدمجة، باستعمال مواد من مساقات معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا المقدمة عبر الانترنت، وتدريس 1,196 طالباً وطالبة من خلالها.
هذا وكشفت بيانات التقييم لمشاركة الجامعتين أن أعضاء الهيئة التدريسية، بالإضافة إلى الإداريين ومصمّمي المناهج التعليمية، شاركوا بشكل كامل وفعال في المشروع والتزموا بمتابعة مشاركتهم بالتعلم عبر الانترنت والتعلم المدمج. وفي الواقع، بين ثلاثة أعضاء من الهيئة التدريسية مؤخراً أن الانتقال إلى التعليم الكامل عبر الانترنت في ظل جائحة فيروس كورونا كان أسهل بسبب مشاركتهم في المشروع. هذا ويشعر أعضاء الهيئة التدريسية ومصمّمي المناهج التعليمية بالتفاؤل حيال تطوير عمليّتَي التعلم عبر الانترنت والتعلم المدمج ضمن مؤسساتهم. وعلى الصعيد المؤسساتي، تحرص الجامعتان على تحقيق خطط طموحة تهدف إلى زيادة أعداد البرامج والمساقات التي تقدمها من خلال التعلم عبر الانترنت والتعلم المدمج.
وفي ضوء التحوّل العالمي نحو التعليم عن بعد في حالات الطوارئ خلال الأشهر القليلة الماضية والغموض الذي يلفّ مستقبل التعليم الجامعي ومصيره في الأشهر والسنوات المقبلة، نذكر عدداً من الملاحظات التي استنتجناها من خلال تنفيذ المشروع والتي نرى أنها ذات أهمية عند التخطيط للتعلم عبر الانترنت. أولاً، يستغرق تنفيذ مراحل التعلم عبر الانترنت وتطوير البرامج عبر الانترنت عدة سنوات. أما الانتقال إلى التعليم عن بعد في حالات الطوارئ في معظم الجامعات فتمّ خلال أيّام أو أسابيع معدودة، ويبقى التخطيط والعمل المتكرّر على تصميم المناهج من الخطوات الرئيسية التي تؤدي إلى تطوير المساقات والبرامج عبر الانترنت وتوفيرها إلى الطلاب بنجاح.
ثانياً، وفيما استطاعت الجامعات التكيّف بأقصى قدرتها حرصاً منها على تأمين انتقال سلس لطلابها وهيئتها التدريسية، إلا أن الممارسات الحالية، لا سيما في العالم العربي، لم تستطع معالجة المكوّنات الرئيسية للتعلم عبر الانترنت بفعالية، علماً أنها ركن أساسي لنجاح التعلم عبر الانترنت. وتتضمّن هذه المكوّنات عمليات التقييم، وإشراك الطلاب ودعمهم، ومراقبتهم وتقييمهم، والحرص على أن بيئة الجامعة ككل مهيّأة للتنسيق والتعاون لكي يحظى الطالب بمسيرة دراسية سلسة. ولتحقيق هذا الهدف، كما جاء في الدراسة، لا بدّ من وجود التزام مطلق، وتوافق ما بين الآليات والأنشطة وأنماط التفكير، لتمهيد الطريق أمام التغيير المستدام.
ثالثاً، ولعلها النقطة الأهم، إن الخبرة التي اكتُسبت على مر الأشهر القليلة الماضية كانت وليدة حالة طارئة وجد قطاع التعليم العالي نفسه فيها من دون حول ولا قوة. غير أن هذه الظروف الاستثنائية ولّدت بيئة جامعية نادراً ما كانت لتتبلور لولا هذه التحديات. ففي ظل الظروف العادية، يتطلّب الانتقال إلى تقديم المساقات وبرامج الشهادات عبر الانترنت دعماً كبيراً من قيادات الجامعات ومشاركة واقتناع أعضاء هيئة التدريس، بالإضافة إلى التخطيط الاستراتيجي واعتماد نهج تواصل مناسب. ولتحقيق النجاح والاستدامة، يجب النظر في المزيد من الاعتبارات الشاملة، مثل بناء قدرات أعضاء الهيئة التدريسية، والبنى التحتية المؤسسية، كما يجب النظر في وضع سياسات التحقق من الجودة عند الإعداد ليصبح التعلم المدمج والتعلم عبر الانترنت جزءاً مستمراً من أسلوب الجامعة بالتعليم والتعلم.
وفي الختام، يعرب المؤلفون، ومؤسسة عبد الله الغرير للتعليم، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، عن شديد الامتنان تجاه قيادات، وأعضاء هيئة التدريس، والموظفين، والطلاب في كل من الجامعة الأمريكية بالقاهرة والجامعة الأميركية في بيروت لمشاركتهم في هذا المشروع. كما نود أن نتوجّه بالشكر إلى الأساتذة وطاقم العمل في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وطاقم العمل في مؤسسة عبد الله الغرير للتعليم على دعمهم الدائم لجهودنا المشتركة. يمكنك تنزيل الدراسة كاملة باللغة الإنجليزية أو العربية هنا.
لقد استيقظنا هذا الصباح لحقيقة تأثر أكثر من 1.2 مليار طالباً وطالبة في 124 دولة بإغلاقات المؤسسات التعليمية، فيما تحاول الحكومات السيطرة على وباء فيروس الكورونا. وبتأثر ما يزيد على نصف سكان العالم من الطلبة، لا بد لنا من العمل معاً، سواءً كنا مسؤولين حكوميين أو معلمين أو أهالي أو شركات كبرى أو مؤسسات متعددة الأطراف، لجعل التعليم عبر الانترنت يبدو طبيعياً للجميع.
صباح هذا اليوم كان بداية الفترة الرسمية للتعليم عن بعد في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث التحق ما يزيد على مليون طالب وطالبة بالمراحل من التأهيلية وإلى الصف الثاني عشر بصفوفهم عبر الانترنت. فقد قامت المدارس الحكومية بقيادة من وزارة التربية والتعليم بتطبيق منظومة التعليم عن بعد، وتعمل المدراس الخاصة على استخدام مختلف الأساليب لتوفير التعليم عن بعد لكافة الطلبة. أما قيادات الجامعات، واللذين غالباً ما قالوا لي بأن التعلم الاجتماعي الذي يعيشه الطالب خلال دراسته التقليدية في الحرم الجامعي أكثر أهمية من التعلم عبر الانترنت، فقد بدأوا تبني هذا الأسلوب الجديد للتعليم.
لكن الواقع، وعلى الرغم من أن الجميع يبذل قصارى جهده، أننا لم نكن على أهبة الاستعداد لإطلاق برامج التعليم عن بعد للجميع. إلا أن من يعيش في الإمارات يعلم علم اليقين بأن لا مستحيل فيما تصبوا قيادة الدولة لتحقيقه.
والسؤال الأهم اليوم هو كيف نعمل على تحقيق هذا الهدف؟ والجواب يكون بتعاون الخبراء والمثابرة بلا كلل. إن مؤسسة عبد الله الغرير للتعليم جزء من وشاهدة على العديد من الجهود الملهمة. حيث تمكن ما يزيد على 12,000 طالباً وطالبة من المراحل المدرسية الثانوية والجامعية خلال السنوات السابقة من تعلم كل شيء، ابتداءً من المهارات الشخصية من خلال المنصة الالكترونية ثنائية اللغة لبرنامج الغرير للمفكرين اليافعين، إلى متابعة دراستهم لدرجة الماجستير عبر الانترنت من خلال برنامج الغرير للتعليم المفتوح. وفي استجابة سريعة لتخطي المحنة، عملت كل من دائرة التعليم والمعرفة في أبو ظبي وهيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي وهيئة الشارقة للتعليم الخاص على توفير الدعم للمدارس الخاصة والأهالي والمجتمعات التي تقع ضمن اختصاصها. فوفروا تغذية راجعة على خطط المدارس، وشبّكوا بين المدارس عالية الأداء والمدارس التي تحتاج دعماً إضافياً، واستقطبوا الشركاء لتوفير حلول تكنولوجية. وبالإضافة إلى ذلك كونوا شراكات لتمكين أكبر عدد ممكن من المتعلمين في الدولة من الوصول إلى أدوات ومواد ومضامين تعليمية متعددة.
يرى الكثيرون بأن التعليم عبر الانترنت ليس بالشيء الجديد، إلا أنه لم يكن متطلباً بنفس الوقت لهذا العدد من المتعلمين من قبل. فواقعنا اليوم لا يمكننا من ترف التحضير والتفكير والتجريب. وأنا أشعر بخيبة الأمل لفكرة أنه كان بإمكاننا أن نكون أكثر استعداداً لمواجهة التحدي الحالي، وخصوصاً لكوني من المدافعين عن التعليم عبر الانترنت كأهم الحلول لضمان جودة التعليم الشامل، والعادل، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع (الهدف 4 من الأهداف التنموية المستدامة). إلا أن هذا الشعور يتلاشى لرؤية سرعة استجابة ورغبة العديد من أصحاب العلاقة في العمل على تغيير آليات عملهم لضمان ألا يفقد ما يزيد على مليار متعلم فرصهم التعليمية بسبب هذه المحنة.
سترى الأسابيع والأشهر المقبلة العديد من التحديات. وأهم هذه التحديات، خلال مرحلة الابتكار هذه، هو التأسيس لمعايير عالية للتعليم عن بعد وعبر الانترنت. فعلينا ألا ننجر وراء توفير أية فرصة تعليمية والتي هي “أفضل من لا شيء”، بل لا بد من أن تكون هذه الفرصة ذات جودة عالية. ولنحقق ذلك علينا العمل معاً، بشكل جماعي وتشاركي، ومنبثقٍ من أن الجميع يستحق تعليماً يساعدهم على التعلم والنمو والتطور والارتقاء.
الدكتورة سونيا بن جعفر، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة عبد الله الغرير للتعليم