الاستجابة الطارئة لكوفيد 19 لا تمثل مستقبل التعلم عبر الإنترنت

بدأت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) والإجراءات التي اعتمدتها الدول العربية الـ22 من أجل احتوائه، بما في ذلك إقفال المؤسسات التعليمية، تخلّف أثراً عميقاً في أساليب تقديم التعليم وتلقّيه. وأدّت هذه الإجراءات إلى تكيّف أكثر من 13 مليون طالب وطالبة مع واقع الحال الجديد: تقديم الدروس والبرامج التعليمية عبر الانترنت.

والجدير بالذكر أن واقع الحال الجديد يفتقد إلى أهم عنصر من عناصر جودة التعلم عبر الانترنت، ألا وهو توفّر مساقات مصممة أساساً لتُقدّم عبر الانترنت. لا شكّ في أن الاستجابة لهذه الأزمة كانت سريعة ولافتة، لكنّ تقديم محتوى مصمّم بالأصل ليُدرَّس في الصفوف يختلف ببساطة عن المساق المصمّم لتقديمه عبر منصّات التعلم عبر الانترنت. لذلك، لا يسعنا اليوم أن نعتبر أن ما نختبره على نطاق شامل هو التعلم عبر الانترنت الهادف إلى زيادة الوصولية إلى فرص التعليم ذات الجودة العالية، لأنه في الواقع استجابة طارئة لتأمين التعليم في ظل جائحة عالمية بواسطة أدوات عبر الانترنت.

 

تعمل مؤسسة عبد الله الغرير للتعليم بالتعاون مع شركاء رئيسيين بهدف تعزيز التعليم عبر الانترنت العالي الجودة، وتوخّينا التعاون عن كثب مع جامعة ولاية أريزونا، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، لاضطلاعهما بدور رائد في التعليم العالي بالعالم. فجامعة ولاية أريزونا تقدّم ما يزيد على 200 شهادة عبر الانترنت للمرحلة الجامعية والدراسات العليا، وهي شهادات معتمدة عالمياً، فيما شارك معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من جهته بالتعاون مع جامعة هارفارد في إنشاء edX، وهي عبارة عن منصة يقدم من خلالها المعهد أكثر من 200 مساق، وتستضيف أكثر من 20 مليون طالب علم من حول العالم.

 

وقدّمت مؤسسة عبد الله الغرير للتعليم على مرّ السنوات الأربع الأخيرة أكثر من 800 منحة دراسية لطلابها في عدد من البرامج، بما في ذلك برامج التعلم عبر الانترنت. ولا بد من التنويه هنا بأن الحاصلين على المنح الدراسية ينتمون إلى عائلات ذات دخل محدود وقد تم قبولهم في أهم الجامعات بفضل جدارتهم. ونتولى حالياً دعم أكثر من 450 طالباً من برنامج الغرير لطلبة العلوم والتكنولوجيا في عملية الانتقال إلى التعلم عبر الانترنت التي تطبقها جامعاتهم في الأزمة الحالية. وبالإضافة إلى هذا نعمل حالياً مع الجامعة الأميركية في بيروت من أجل تحويل البرامج الدراسية الخاصة بشهادات الهندسة لتتمكن الجامعة من تقديمها عبر الانترنت. أما عدم توانينا في مدّ يد العون والمساعدة على مستوى التعليم الجامعي في دولة الإمارات العربية المتحدة وفي منطقة الشرق الأوسط على السواء، فمتجذّر في رؤيتنا الرامية إلى زيادة الوصولية لفرص الحصول على تعليم جامعي ذي جودة عالية لأكبر عدد ممكن من طالبي العلم. وانطلاقاً من أعمالنا وأبحاثنا في القطاع التعليمي، فإننا ندرك تماماً أن عملية تصميم التعليم عبر الانترنت وتقديمه تتطلب استثمارات جوهرية من المؤسسات التعليمية.

 

واليوم، لا بد من توفير مستويات أولية من الجهود والخبرات المطلوبة لدى اعتماد التعليم عبر الانترنت، من أجل المساعدة في تحقيق الخطة العالمية التي اعتمدتها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لضمان التعليم الجيد، والمنصف، والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع، وفقاً للهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة. ولا تقتصر هذه الاستثمارات على الأدوات والمنصات التعليمية التي يمكن شراؤها بسرعة من مزوّدي التكنولوجيا التعليمية، بل تتخطّاها لتشمل عناصر متعدّدة لا سيما المحتوى الإعلامي المناسب، والتقييمات التكوينية والختامية المصممة لتلبية الأهداف التعليمية، والأدوات والعمليات الخاصة بتأمين التواصل أثناء إعطاء المساقات، والمختبرات على الانترنت، وأنظمة النزاهة الأكاديمية التي تتوافق والبيئة المحلية. وعلى الرغم من أن حلول التكنولوجيا التعليمية تؤمّن الدعم اللازم لإنجاح هذه العناصر، إلا أن المهمة الأصعب تقع على عاتق المعلّمين المهنيين، والمصمّمين التعليميين، والإداريين المؤسساتيين لتوفير تجربة تعلم عبر الانترنت تكون مختلفة تماماً عن تقديم المساقات المصممة للتقديم في الصفوف عبر الانترنت.

 

ومع أن هذا الانتقال القسري إلى التعليم بواسطة التكنولوجيا قد أجبر المعلّمين على نقل مساقاتهم على الانترنت بسرعة قياسية، إلا أن بعضاً من جوانب التجربة الجديدة لم يخلُ من الإشكاليات. فالانتقال إلى التعليم عبر الانترنت يعد تحدياً بحد ذاته، في منطقة تسجّل فيها نصف الدول نسبة انتشار للانترنت أدنى من المعدلات العالمية وبلا ضمان لوجود أجهزة عاملة ومتصلة بالانترنت في المنازل، إذا ما أردنا تحقيق العدالة في الوصول إلى التعليم. أما العمل من أجل الحد من القلق لدى الطلاب، واتساق الأدوات مع الفلسفة التعليمية ونتائج التعلم، ووضع التقييمات الملائمة، فلا تشكّل سوى جزء من المشكلات التربوية التي يواجهها المعلّمون والطلاب على السواء.

في الواقع، يسارع عدد كبير من المعلّمين إلى رقمنة محتوى مساقهم والمحافظة على عامل التواصل البشري إلى أقصى حدّ ممكن خلال الانتقال إلى التعلم عبر الانترنت، في ظل غياب التدريب اللازم في هذا الصدد. إن الانتقال إلى التعلم عبر الانترنت ليس خطوة يمكن أو يجب تحقيقها بين ليلة وضحاها، فهي تتطلّب مهارات عالية في التصميم التعليمي، لم تتوفر في المنطقة إلا في الآونة الأخيرة. ومع ذلك لجأ إليها المعلّمون من شتى أنحاء العالم لأنهم ببساطة محترفون متفانون يعالجون خللاً لم يسبق لهم أن شهدوا مثيلاً له، في محاولة منهم لتأمين استمرارية التعليم.

 

ومن موقعنا كأهل وطالبي علم، علينا أن نتحلّى بالصبر ونقدّم كل الدعم للطاقم التعليمي والمؤسسات التعليمية، الذين لا يألون جهداً ويعملون بأقصى سرعتهم لمواجهة التحدّي العالمي الحالي. وكمنطقة لديها رؤية طموحة لمستقبل دولنا وأبنائنا، من واجبنا المطالبة بمعالجة الجمود في أنظمتنا التعليمية. ومن حقنا أن نكون على اطلاع بكل جديد يطرأ في هذا المجال، والتشديد على تحقيق انتقال دائم إلى طرائق تعليمية مرنة وهادفة، من شأنها تلبية مختلف احتياجات طالبي العلم في كل أنحاء العالم، لا سيما الانتقال إلى التعليم عالي الجودة عبر الانترنت للجميع.

الدكتورة سونيا بن جعفر، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة عبد الله الغرير للتعليم